-: عين الاخبارية :- باستثناء إطلاق بضعة صواريخ من قبل مجلس شورى المجاهدين، وجملة من المسيرات الشعبية التي جابت شوارع الضفة الغربية وقطاع غزة، مرّ يوم الأسير الفلسطيني كأي مناسبة أخرى، رغم أن المناسبة تمر هذا العام، وعدد من المعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال يسطرون ملاحم بطولية منقطعة النظير بإضرابهم عن الطعام، معرضين حياتهم للخطر الشديد، والذي سجلوا من خلاله أرقاماً قياسية لم تعرف البشرية لها مثيلاً، حيث تجاوز عدد أيام إضراب بعض الأبطال المائتي يوم.
في الحقيقة لا بد من تتبع معركة الحركة الأسيرة مع الاحتلال، بكل اهتمام وتعمق، خلال السنوات القليلة الأخيرة، حيث بعد أن هدأت جبهتا التفاوض والمقاومة، منذ نحو سبع سنوات _ مرت على عملية الوهم المتبدد _ وخاصة بعد ان تمت صفقة تبادل الأسرى مع الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليت، دون إطلاق سراح الآلاف من المعتقلين الفلسطينيين، في الوقت الذي توقفت فيه المفاوضات، وظل ملف الأسر مفتوحا، حتى على من اعتقلوا قبل توقيع أوسلو، حينها تيقن الأسرى من أن أحدا من الخارج لن ينجح في إطلاق سراحهم، فبدأ بعضهم يتقدم الصفوف باستخدام آخر وأهم سلاح يمتلكه المعتقل وهو الإضراب عن الطعام.
وبسبب من تفاعل الخارج الشعبي مع هؤلاء المضربين، فقد “تقدم” الاحتلال للاستجابة جزئيا لمطالبهم، ولكن عبر الدخول في صفقة الإبعاد، وهذا ما حدث مع هناء شلبي وأيمن الشراونة، ولابد هنا أن نستذكر أن الاحتلال الإسرائيلي، يحقق رغم اضطراره الى الإفراج في النهاية عن المضربين عن الطعام، إنجازا بإبعادهم عن ديارهم، وقد اتبع الاحتلال الإسرائيلي هذه السياسة منذ العام 1967 وحتى الآن، الجديد في الأمر أن الإبعاد كان في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي يجري الى الأردن، لبنان، والآن يجري الى غزة!
وكان بعضه يأخذ طابعاً مؤقتاً، كما حدث مع مبعدي مرج الزهور، بعد اندلاع الانتفاضة الأولى، أي أن الاحتلال كان يسعى الى تحقيق هدف سياسي واضح، وهو إفقاد الانتفاضة للكادر الذي يقودها، بهدف إضعافها ووقفها، وهو يسعى الآن من خلال إبعاد المناضلين الى غزة، الى إخراجهم من دائرة المواجهة الفلسطينية / الإسرائيلية، والتي ميدانها الحقيقي خلال السنوات الحالية والقادمة هو الضفة الغربية وليس غزة.
هذا ما يدركه الآن البطل الأسير سامر العيساوي، الذي ما زال يصر على عودته الى مسقط رأسه، الى بيته في القدس، وحتى يكسب سامر معركته، وكذلك الأبطال الآخرون في الأسر، لا بد من إطلاق كل منصات الإسناد الشعبي والوطني، لتفويت الفرصة على الاحتلال بأن يحقق أيا من مآربه الخبيثة، بحيث يتحرر من الضغط الإعلامي والشعبي والأخلاقي جراء ما يثيره المضربون عن الطعام من “تهديد” للاحتلال قد يصل بمداياته الى إطلاق الانتفاضة الفلسطينية الثالثة.
أول منصات هذا الإسناد، هي توسيع دائرة المعركة في سجون الأسر، فحتى الآن، لا يبدو أن الفصائل الرئيسية، خاصة “فتح” و”حماس”، لديها قرار بإطلاق معركة الأسرى، نقصد بذلك انخراط كل المعتقلين في المعركة، حيث ما زال الأمر يقتصر على الشكل التضامني مع المضربين ( يوم اول امس، أعاد نحو ثلاثة آلاف معتقل طعامهم للسجان، بمناسبة يوم الأسير الفلسطيني )، ولا شك أنه لو شارك كل المعتقلين في الإضراب لقامت الدنيا في الضفة الغربية وقطاع غزة، هنا لنا أن نتخيل، لو ان القائد مروان البرغوثي، والقائد أحمد سعدات وقادة “حماس” في الأسر، كانوا هم قادة الإضراب، بكل ما يتمتعون به من مكانة وقيمة، لا شك أن المواجهة حينها، ستقف على أبواب الحسم النهائي لقضية الأسر، فإما حياة تسر الصديق وإما ممات يغيظ العدا !
ثاني منصات الإسناد، تكون من خلال وضع هذا البند كممارسة ميدانية، في الشارع والإعلام، لابد من تحريك الشارع، تحت شعار ” لن نعود الى بيوتنا، إلا وبيننا أسرانا “، وثالث تلك المنصات، هي فتح جبهة الإسناد العربي والدولي، من خلال المتضامنين، وهنا يمكن تجنيد جبهة من الحقوقيين العرب للدفاع عن قضايا الأسرى، في المحاكم الدولية، لتطبيق جنيف الرابعة، وعدم الاكتفاء بالمطالبة بتطبيقها.
من الواضح أن المخاطرة بمثل هكذا توجه تحتاج دراسة ولحظة مناسبة محليا وإقليميا، وتحتاج أولا توافقا وطنيا على إطلاق انتفاضة الأسرى، لكن ما دامت قيادات الشعب الفلسطيني، تراهن على تعزيز سلطة هنا وسلطة هناك، وما دامت الأوهام المرتبطة بإمكانية تحقيق حل الدولتين عبر خوض الحروب الديبلوماسية فقط، وما يرافقها أحيانا، من قرارات إسرائيلية خاصة بحسن النوايا وإطلاق مئات او حتى ألف من الأسرى، وما دام وهم ان يتم تظهير غزة سياسيا من خلال زيارة أردوغان وغيره، سواء من جاء قبله او من سيجيء بعده تداعب مخيلات “حماس”، فإن الأسرى سيجدون أنفسهم مجددا وحدهم، كما بات أهل غزة يواجهون الحصار وحدهم، وأهل الضفة يواجهون الاحتلال وحدهم، وما دام الفلسطينيون صاروا قبائل فصائلية، صارت تتقاتل وتتصارع وتتنافس، بعد أن خلقت لتتوحد وتحرر.
وما دام كل التركيز الإعلامي على سورية، وما دام النظام العربي، تقوده قطر من اجل تحرير الشعوب العربية من حكامها، واستبدالهم بحكام لا يختلفون كثيرا عن السابقين، بعيدا عن تحرير فلسطين، فإن حال العرب جميعا وليس الفلسطينيين وحسب، سيكون من سيئ الى أسوأ، إلا إذا، تحرك الشارع، من دون قيادة “نخبة السلطة أو ثورة المال” هنا وهناك.