اعلانات

ابراهيم صيدم ذاكرة من زمن الثورة

ابراهيم صيدم ذاكرة من زمن الثورة

ابراهيم صيدم ذاكرة من زمن الثورة بقلم يحيى رباح

-: عين الاخبارية :- منذ أيام قليلة، رحل ابراهيم صيدم المشهور باسم ” أبو الخل ” الفتحاوي العتيق، عضو المجلس الثوري، رحل عن عالمنا وصعد إلى عالم الحق والخلود، فليرحمه الله، ويسكنه فسيح جناته، ويلهمنا مع اهله ورفاقه وذويه الصبر والسلوان، وإنا لله وإنا إليه راجعون…

ابراهيم صيدم ” أبو الخل ” ابن قرية “عاقر” الذي هاجر مع عائلته إلى المخيمات الوسطى في قطاع غزة، تعرفت عليه منذ ذلك الزمن، في نهاية الخمسينيات، حين جمعتنا الدراسة في مدرسة خالد بن الوليد الثانوية التي أنشئت أصلا لاستيعاب أبناء المخيمات الوسطى الذين كانوا حين ينهون دراستهم الاعدادية، لم يكونوا يجدون مدرسة ثانوية قريبة، سوى فصل واحد كان ملحقا بمدرسة مخيم البريج الاعدادية، كان من بين طلبته فتحوي آخر لمع نجمه في سماء الثورة كدبلوماسي وخبير قانوني وهو الدكتور نبيل الرملاوي، وكان أبناء المخيمات الوسطى في دير البلح والمغازي والنصيرات والبريج يتوزعون على مدرسة خان يونس الثانوية أو مدرسة فلسطين في مدينة غزة أو كلية غزة التي كان على رأسها اثنان من أساطين التعليم في فلسطين والمنطقة وهما الأخوان شفيق ووديع الترزي !!! ولكن عندما تزايد عدد الذين ينهون دراستهم الاعدادية، قررت إدارة التربية والتعليم أن تفتتح مدرسة جديدة باسم ” مدرسة خالد بن الوليد الثانوية ” وكان مديرها الأول مربيا كبيرا سطع نجمه في فضاء التعليم وهو المربي والمعلم ” زهدي أبو شعبان ” يرحم الله الجميع.

في فضاء مدرسة خالد بن الوليد تعرفت على ابراهيم صيدم، وقد حالفنا الحظ كثيرا حين أهدى لنا مدرسين شابين لم يكونا يكبراننا كثيرا كان لهما شأن كبير في حياة ومستقبل الشعب الفلسطيني أولهما “صلاح خلف أبو اياد ” العضو المؤسس في حركة فتح، ونجمها الساطع، ورجلها القوي، وسياجها المتين، أما الثاني فهو “أسعد الصفطاوي” الذي لم تفارقه صلابته وعناده في الحق أبدا، وكان من قيادات فتح التي يشار إليها بالبنان.

في هذه البيئة المدرسية التي كانت أقرب إلى أكاديمية وطنية تعمقت صلاتنا مع بعضنا لننهل من نبع واحد، هو نفسه النبع الوطني الحار الذي نهلنا منه على يد فتحي البلعاوي، ومعين بسيسو، ووفا الصايغ، وعبد العظيم أبو مصبح.. وغيرهم الذين كانوا معلمينا في المراحل الابتدائية والاعدادية، وهؤلاء وأولئك زرعوا أغراسهم وأشتالهم في حديقة فلسطين الخالدة، فكان من بين تلك الأغراس الأخوان عبد العزيز واسماعيل أبو شمالة، ومحمد أبو مهادي، وسليم البرديني، ومحمد أحمد البحيصي، وزكريا بعلوشة، وعشرات غيرهم تضيء بهم ذاكرة الثورة الفلسطينية في مشوارها الطويل.

بعد هزيمة حزيران عام 1967، وعندما بدأت فتح في انطلاقتها الثانية بعد الهزيمة لتنشئ قواعدها في الأغوار الوسطى أولا ثم الشمالية والجنوبية، تم اختيار ابراهيم صيدم ليكون ضابط ارتباط بين قواتنا والقوات العراقية التي كانت موجودة في منطقة المفرق كنوع من الدعم العربي، وعندما خرجت قواتنا من الأردن بعد أحداث أيلول وأحداث جرش، فإن ابراهيم صيدم انتقل إلى لبنان وأصبح مسؤولا عن التسليح في قوات العاصفة، وسرعان ما تركت مهمتي في الإعلام وعدت للعمل في القطاع العسكري، في القاطع الشرقي من جنوب لبنان، ثم في القاطع الغربي، ثم على مستوى جنوب لبنان كله، وقد تعمقت صلاتي العملية في تلك الفترة مع عدد من أصدقاء الدراسة، مثل سليم البرديني الذي أصبح قائد قوات جبهة التحرير العربية في الجنوب، ومنذر أبو غزالة قائد القوات البحرية، والحاج اسماعيل جبر قائد قوات القسطل، ومحمد أبو مهادي قائد الفوج المدرع الثالث الذي كان رئيس أركانه أحمد أبو علبة، وعدد كبير من الذين كنت زميل دراسة لهم في المراحل المختلفة، وكان ابراهيم صيدم ” أبو الخل ” من بين هؤلاء اللامعين.

زمن الثورة زمن جميل برغم صعوباته البالغة، وتجاربه القاسية، وخسائره الفادحة، كان زمنا يشعر فيه كل واحد منا أنه جزء من كل كبير، وعضو قافلة يمتد سيرها من أعالي الجبال الوعرة، وقيعان الأودية العميقة، بين احتمالات الموت والخطر والمفاجآت القاسمة إلى الأمل، وكنا نؤمن فعلا بقول ياسر عرفات ” ثلوج جبل الشيخ أكثر دفئا من قلوب الآخرين ” فيا له من زمن لا ينسى، وذاكرة لا تنطفئ، ولأن ابراهيم صيدم ” أبو الخل ” واحد من أبناء ونجوم ذلك الزمن الجميل، زمن الثورة، فإنه – حتى وإن رحل – سيبقى ضوءا في قلوبنا، وحنينا نشتاق إليه، وحكاية نرددها لأجيالنا القادمة، فلروحه السلام.

  • تعليقات الفيس بوك
  • تعليقات الموقع

اترك تعليقا