اعلانات

مدارات حديث مع حواتمة

مدارات حديث مع حواتمة

مدارات حديث مع حواتمة بقلم عدلى صادق

للرفيق “أبو النوف” أمين عام “الجبهة الديمقراطية” ثقله وحضوره ومثابرته التي تستحق التقدير. التقيته في القاهرة قبل أيام لأسمع منه وأتحدث اليه. وفي الحقيقة إنني اعتز بروح الود التي تظلل كل حديث بيننا. دخلت الى مكان إقامته، وكان يتدفق في سرد تاريخي الى مجموعة من الباحثين والإعلاميين، وأشفقت عليه من طريقته في التدفق السريع، الذي يبدأ فيه من نقاط بعيدة الى الوراء، ربما منذ بدء خليقة الحركة الوطنية الفلسطينية. فليس بالضرورة أن تسعف المتحدث ذاكرته في الأرقام والتواريخ. لكنني بعد انفضاض الجلسة وبقائنا وحدنا؛ عاتبته على اختزال فادح، في توصيفه، وهو المُسهب دائماً في عرض كل شأن؛ لسبب تعطل عملية المصالحة الفلسطينية. قال الرجل للشباب، إن سبب تعثر المصالحة يتعلق بنقطتين، الأولى وقوع الرئاسة الفلسطينية تحت ضغوط أميركية إسرائيلية، والثاني ـ بما معناه ـ رهان حركة “حماس” على وضعية امتداد إسلامي لها في العالم العربي. وفي الحقيقة، لم أكن في حاجة الى التوصيف المعاكس والى التفصيل فيه، لكي أسمع منه ما سمعت، من تصويب لذلك الاختزال واستزادة من النقاط الصحيحة. قلت له، إنك صاحب صوت وازن، لأنك أحد القلة الباقية من زمن زعامات حركة التحرر الفلسطينية والعربية، وأنت جدير بوضع النقاط على الحروف، لأن النقطة المتعلقة بنا، وهي الضغوط الأميركية، أراها ظالمة وغير صحيحة وتدحضها الوقائع. فالأميركيون قالوا لنا اذهبوا الى المفاوضات دون تغيير في سياسات الحكومة الإسرائيلية على الأرض، ورفضت الرئاسة الفلسطينية الذهاب على الرغم من التهديدات، وقيل لنا لا تطلبوا إعادة التصويت في “مجلس حقوق الإنسان” التابع للمنظمة الدولية، على تقرير غولدستون حول الانتهاكات الإسرائيلية في الحرب الوحشية على قطاع غزة، لكننا طلبنا التصويت، وخالفنا الموقف الأميركي وقاومنا الضغوط. وقيل لنا لا توقعوا أية اتفاقات مع “حماس” وتوعدوا بعظائم الأمور، لكن الرئاسة الفلسطينية وقعت على كل اتفاقات المصالحة واستحثت التنفيذ، وكانت وما زالت جادة فيها. وقال لنا الأميركيون ومعهم بعض العرب، لا تذهبوا في أيلول (سبتمبر) 2012 الى الأمم المتحدة لطلب عضوية فلسطين، فذهبنا على الرغم من التهديدات. وقال لنا الأميركيون لا تذهبوا لطلب عضوية فلسطين كدولة في “اليونسكو” وتعرضنا نحن ومنظمة “اليونسكو” للتهديدات، وعلى الرغم من ذلك ذهبنا وحصلنا على العضوية، وما زلنا ونحن و”اليونسكو” نعاني من الموقف الأميركي بسبب ذلك. وقيل لنا لا تذهبوا في 2012 الى الأمم المتحدة لطلب اعتراف بدولة غير عضو، فذهبنا لنعرض الموقف، وكان الرد على الشروحات الأميركية، بتفهم جزئي لتوقيت طلب التصويت في الجمعية العامة، الى ما بعد الانتخابات الأميركية!

قلت للرفيق “أبو النوف” إن هذه لاءات ربما تتحرج منها زعامات دول مستقلة ذات سيادة، وموقفنا من مسألة المصالحة محسوم، ولك يا رفيقنا أن تقدّر بمنطق السياسية ما هو المطلوب من الرئيس “أبو مازن” لكي نقدمه لك وللمصالحة في غضون 24 ساعة. لذا من الظلم أن يقول قائل إن هناك نقطتين تعطلان، واحدة منا والأخرى من “حماس”. ويجدر بك، وأنت من زعامات حركة التحرر الفلسطينية الوازنة، أن تضع النقاط على الحروف، خدمة لأهداف المصالحة والقضية، وقد بات الانقسام ذا مخاطر سياسية، ولم يعد الأمر قابلاً لكلام وسطي موزون ومحسوب يُخالف الواقع. فالمطلوب هو المجاهرة بتوصيف موقف الطرف المعطل وإظهار مخاطره على المجتمع والقضية!

أردفت قائلاً للرفيق أمين عام “الجبهة الديمقراطية”: لا أريد ان أستفيض في الحديث عن الأسباب والحسابات الصغيرة، التي جعلت المتنفذين من “حماس” في غزة يعطلون المصالحة، لكنني أكتفي بالقول جازماً أنه لا “حماس” ولا امتداداتها “الإخوانية” لديهم مشروع بديل مزلزل وماحق، يرفضون المصالحة من أجل البدء به، ونقطة على السطر!

أسمعني الرفيق “أبو النوف” كلاماً طيباً، في الجواب على ما طرحت. لعل أجمل ما قاله، أننا و”فتح” شركاء في مشروع سياسي واقعي ولا يمكن للجبهة الديمقراطية أن تكون لثانية واحدة أقرب الى “حماس” منها الى “فتح”. وتفضل الرجل بحديث إطرائي لمواقف الرئيس محمود عباس، لكنه وجه ملاحظة وافقته عليها، وهو أن “أبو مازن” لا يراكم على الأرض، الوقائع الكفيلة بإسناد سياسته وتعزيزها. كان “أبو النوف” يقصد العوامل الذاتية في بُنية الحركة الوطنية وقاعدتها وفي سلطتها. لقد وافقته رغم يقيني بأن مجاملة الفصائل، وتعقيدات الحال، وصعوبة المرحلة، هي من بين الأسباب التي ما زالت تحول دون بناء وضعية صلبة على الأرض، لمقاومة الضغوط.

كان الحديث مع الرفيق حواتمة، ممتعاً، وقد استأذنته في الختام، أن أكتب أهم ما دار بيننا، وسألته إن كان يريد التحفظ على شيء، فقال ما معناه، إن الحديث قابل للنشر. شكرته على موقفه العقلاني من ثورة الشعب السوري، وهو المسافر الى دمشق نفسها، في صبيحة اليوم التالي!

  • تعليقات الفيس بوك
  • تعليقات الموقع

اترك تعليقا