اعلانات

القصف فوق الصفر وخلفياته

القصف فوق الصفر وخلفياته

القصف فوق الصفر وخلفياته بقلم: عدلى صادق

مرة أخرى، تجري عمليات القصف والقصف المضاد، بين إسرائيل وفصائل المقاومة في غزة، ضمن هامش من المناورة التي تحكمها بالنسبة للطرفين، اعتبارات العلاقة مع مصر في عهدها الجديد. ففي مقابل محدودية الهجمات الإسرائيلية المتوقعة، ومقتضاها أن إسرائيل لم تنته بعد، من صياغة نهائية للعلاقة مع الحكم الجديد في مصر؛ هناك حسبة غزة، التي ترى فيها “حماس” أن مصر ستلجأ في النهاية الى العنصر الفلسطيني من المعادلة، لكي يساعد على تهدئة الأمر وعدم المبادرة الى القصف من غزة، حتى ولو كان هذا القصف، رداً على تصعيد إسرائيلي. فالحكم الجديد في مصر لا يريد أن يجد نفسه، في خضم أزمة محرجة، ليس بيده مقومات الخروج منها بالصورة التي يريدها. والفائدة التي ستجنيها “حماس” من هذا التوجه، هي معالجة شافية لبعض جوانب التوتر مع المؤسسات الأمنية المصرية، على خلفية وجود أتباع السلفية الجهادية في غزة، وتواصلهم مع أقرانهم في سيناء المصرية، واستنكاف “حماس” عن الارتفاع بمستوى التعاون الأمني، الى الدرجة التي يتوخاها الحكم في مصر، بسبب ضعف قوتها الأدبية بعد تجربة حكمها في غزة!
ويبدو أن مجموعة عوامل، في حسابات “حماس” اقتضتها أن تستعيد علاقتها الدافئة مع حركة “الجهاد” والدخول في تنسيق معها، وصفه الإسرائيليون بأنه “نادر منذ سيطرة حماس على قطاع غزة”. فبسبب تردي ممارسات الحكم الحمساوي في غزة، وافتقاره للشعبية، مع انسداد الأفق السياسي، والوضع الاقتصادي الخانق الذي استثنت شريحة الحاكمين الحمساويين نفسها منه؛ باتت “حماس” غير قادرة على اتخاذ إجراءات حاسمة ضد السلفية الجهادية التي تتهمها بالخنوع للاحتلال، والسكوت على ممارساته في القدس وغيرها. في الوقت نفسه، جرت عمليات القصف الإسرائيلي والقصف المضاد، وكأنها مُحكَمة الضبط، تكون فيها الرماية ولا خسائر في الأرواح، مثلما وصف الأمر رون بن يشاي، المعلق العسكري لصحيفة “معاريف” عندما قال إن تحرك حماس جاء “فوق الصفر وتحت التورط”. ذلك بالترافق مع حديث عن تصعيد، أو اجتياح إسرائيلي وشيك للقطاع، يستتبع حُكماً، وساطة مصرية، تتعاطى مع الطرفين، لتثبيت وضعية تهدئة جديدة، فتتجاوز “حماس” بها نقاط الخلاف مع مصر!
مشهد التوتر، من جانب الاحتلال، يعكس سلوك القوة الغاشمة المعربدة، التي لا مناص من مواجهتها بموقف استراتيجي مضاد ورادع، لم يتوافر بعد. بل إن مثل هذا الموقف، لن يتوافر قبل خروج أقطار الثورات العربية من عنق الزجاجة وأستكمال سيرورتها. أما الموقف على الطرف الفلسطيني في غزة، فإنه لا ينم عن مقاومة في سياق المقاومة التحريرية التي لا يمتلك الفلسطينيون مقوماتها، وإنما هو احتكاك يهدف الى تحريك مواقف في علاقة “حماس” بمصر. وتهرب “حماس” من الاحتمال الأجمل والأسلم، الذي يوفر مظلة سياسية لحماية المجتمع في غزة ومقدراته ومساكنه وأرواح أبنائه، وهي المصالحة واستعادة وحدة الكيانية الفلسطينية. وفي حال تصاعدت الأمور، الى ما فوق معدلاتها الراهنة، واغتنمها نتنياهو فرصة لرفع شعبيته قبل الانتخابات المبكرة؛ نخشى أن يصبح قطاع غزة، مرة أخرى، هدفاً للآلة العسكرية الاحتلالية، بكل إجرامها وانفلاتها!

  • تعليقات الفيس بوك
  • تعليقات الموقع

اترك تعليقا