اعلانات

زيارة أمير قطر الى غزة أسئلة النوايا

زيارة أمير قطر الى غزة أسئلة النوايا

مدارات زيارة أمير قطر الى غزة أسئلة النوايا بقلم عدلي صادق

كانت رغبة «حماس» في الاستفراد بتلقي المقدرات المالية، لعملية إعادة الإعمار في غزة، والوقوف عليها؛ هي أحد أهم أسباب رفضها لعملية المصالحة وتطبيق اتفاقاتها. وحسبة «حماس» في ذلك معلومة، تفسرها منظومة التجارة والأعمال الخاصة بـ «الجماعة» التي توسعت في كل قطاعات الاقتصاد الغزي، ووصلت حتى الى حد خنق أعمال البقالة الصغيرة، بمفاعيل مراكز التسوق الشامل، التي تمتلكها الحركة. ويعلم ممولو المشروعات التنموية في تاريخ السلطة، ومنهم القطريون والإماراتيون والأوروبيون وغيرهم، بعض شوائب تجربتنا على هذا الصعيد، عندما كان الفساد يتمثل في شريحة صغيرة مركبّة، قوامها بعض الأفراد الفاسدين، مع بعض شركات تتلطى بالقطاع الخاص، تأسست في عجالة، وكانت موصولة بالأولين. وكتبنا أيامها عن تلك الظاهرة وحذرنا منها. ومن المفارقات، أن شركات صناعة البناء تلك، التي تشكلت في عُجالة، لم تكن مهيأة لمباشرة هذا العمل، إذ لم تكن تملك المعدات ولا المقومات التي تساعدها على تنفيذ المشروعات. فما كانت تمتلكه، هو القدرة على أخذ المشروعات بشفاعة متنفذين، على أن تبدأ بعدئذٍ إحالة مراحل التنفيذ، لشركات لديها المقومات الفنية، وتأخذ الأعمال عن طريق ما يُسمى «الباطن». ويكون اقتناص المشروع، من المانحين، بسعر عال لمتر البناء منجزاً مع التشطيب، ويُسلم لشركات لكي تنجزه بسعر أقل بكثير، بل إن بعض هذه الشركات المجاورة، كانت تفعل الشيء نفسه، فتأخذ أعمال «باطن» أكبر من قدرتها، وتحيلها الى شركات أخرى بأسعار أقل. وبتلك المتوالية الجهنمية، كان المشروع الذي يُحسب على الشعب الفلسطيني، باعتباره مساعدة تنموية كلفتها مليون دولار مثلاً، لا يتكلف في الواقع مئة ألف. ومع تضخم مبالغ البذل من قبل المانحين، وتعدد البواطن؛ تتضاءل التنمية مع ارتفاع الرقم وتدني الجودة. وفي تلك التجربة، كان الفساد قطاعاً فردياً وخاصاً، لكنه في وضع إعادة إعمار غزة، الآن وبهذه الطريقة، يصبح فساد القطاع العام المملوك لمن يحكمون، هو الذي يقتنص المشروعات ويتدبر سياقاتها، ولا يتخيل واحد من غزة، أن شركة لا تمتلكها «حماس» ستفوز بأي مشروع، وفق مفرداته التي يقررها الحجم المالي للمساعدة القطرية!

* * *

بخلاف ذلك، هناك العامل السياسي والوطني، الذي يحسم مسألة النوايا. فالمساعدة القطرية، تلبي لـ «حماس» مبتغاها وهو أن تحظى بمعونات إعادة الإعمار، التي كانت من بين أسباب نكوصها، عن تنفيذ اتفاقات المصالحة. وعندما يتحدد زمن التنفيذ بثلاث سنين، نكون بصدد طرف سيصبح أحرص ما يكون، على خلو الميدان له، دون مؤسسات وطنية، ضامنة للشفافية بمشاركة الجميع. أما شكليات زيارة أمير قطر، فإن مضامينها السياسية لا تبشر بوئام قريب، لأنها تكرس وضعاً كيانياً بمعايير هذه السياسة، لحكومة انقلاب على الوحدة الوطنية، وانقلاب على العملية الديمقراطية، وعلى سياق النضال الوطني المتاح، بذريعة نضال لا يتاح ولا يُمارس!

نوايا الطرف القطري، وصدقية حديث الأمير في «الجامعة الإسلامية» عن انقسام فادح يراه أخطر من العدوان نفسه؛ يختبرها الجواب عن بعض الأسئلة: ألم يكن في مقدور الأمير، أن يربط بين الشروع في تقديم المساعدة، وخطوة عملية واحدة، نحو الوفاق الفلسطيني، حتى وإن اقتصرت على مجلس وطني لإعادة الإعمار، ومرجعيات قانونية ومحاسبية لهذا الإطار؟! ألم يكن في مقدور الأمير، أن يضبط إيقاع هذا التوجه، بالحرص على دور للأخ خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» ومعه ـ على الأقل ـ مجموعة من التصالحيين الفتحاويين، ومجموعة فنية من «بكدار» ومن مختصين تنتدبهم القوى الوطنية؟ ألم يكن في مقدور الأمير، أن يبدأ خطوة «كسر الحصار» بتوافق مع الحكومة المصرية، على جمع طرفي الخصومة، لوضعهم أمام المسؤولية عن تعثر إعادة الإعمار، وعن ترك غزة تئن، للدفع في جهة الخروج بصيغة للعمل الإغاثي، ذات حيثيات سياسية، تتصل بعملية الوئام الوطني الفلسطيني؟ ويمكن لهذه الأسئلة أن تتفرع وتتناسل!

لن نقول إن ذهاب أمير دولة قطر الى غزة، مع تجاوز الموضوع السياسي الفلسطيني الداخلي، يساوي الاعتراف الضمني بأن لا مجال للمصالحة، مع الاكتفاء بتضمين خطابه تقريعاً للفلسطينيين جميعاً على انقسامهم!

ولن نقول إن أمير دولة قطر، أحيط علماً بوقائع غزة وأزمة «حماس» فيها، فاهتبلتها حكومة «حماس» فرصة للإعلان عن بشرى سعيدة لأهالي غزة، قوامها فتح ثغرة للأمل على مستوى الحياة اليومية، بإنعاش سوق العمل وسد رمق المعوزين، على امتداد زمن التنفيذ المحدد بثلاث سنوات!

ليس منطقياً أن نحكم على النوايا بالعواطف، أو بالتجاهل التام للإجابات عن أسئلة كهذه؟ فقد كان الكلام العاطفي أثناء الزيارة، كبيراً مشبعاً بتوصيفات «تاريخية» مرسلة، وببشائر انكسار تام للحصار (بافتراض ضمني أن مصر لا تزال تحاصر مع إسرائيل) وبحديث عن تحدٍ للصهيونية، وعن علامة فارقة في الزمن، وعن عظمة أمير. بل إن «الجزيرة» تناست ارشيفها في بداية البث، وكتبت في الشريط، أنها الزيارة الأولى لزعيم عربي منذ العام 67 ثم تعدلت الصياغة لتكون الزيارة الأولى للأمير حصراً، منذ بدء الحصار. فقد أريد للتاريخ أن يبدأ، منذ الحدث الذي وقع أمس ببركة «حماس» وكأن مؤسس حركة النضال الفلسطيني المعاصر، الشهيد ياسر عرفات، لم يستقبل الأمير في مطار رفح المدمر الآن، قبل أن يُحاصر وتقاطعه بسبب مقاومته، كل حلقات النظام العربي، حتى أجهز المحتلون عليه!

  • تعليقات الفيس بوك
  • تعليقات الموقع

اترك تعليقا