اعلانات

194

194

194 بقلم: أحمد دحبور

-: عين الاخبارية :- كيف يصبح أحد الأيام تاريخياً؟ إنه يبدأ كغيره من سلالة العام، بعضاً من دورة زمنية يتعاقب فيها الليل والنهار، ثم تتدخل الإرادة بطريقة ما، فيصبح العادي استثنائياً ويدخل التاريخ على الخط.. وكان يمكن لكثير من الأيام التي تستهلكنا أو نستهلكها، أن تعبر في عداد العادي، لولا ذلك الحدث النوعي الذي لا يخلو منه تاريخ أمة، فإذا للشعوب ذكريات وآلام وأمجاد، وإذا بهم يؤرخون بما قبل ذلك الحدث وما بعده، تلك هي الدنيا، وهؤلاء هم نحن.. ومن أيامنا في هذه الدنيا أن أصبح لنا دولة..

ولأن لكل دولة قيداً في سجل النفوس، فإن دولتنا هذه مسجلة في دفتر حافل، وإذا كان التاسع والعشرون من تشرين الثاني «نوفمبر» هو عنوان الدفتر، فلن ننسى أنه ذكرى التقسيم التي جعلها الكفاح المدعوم من حس العدالة البشرية يوماً للتضامن وما لبث هذا التضامن أن أصبح يوماً تاريخياً، يوماً كالعيد، بل هو عيد.. فكل عام وأنتم بخير.

أتصفح وجوه أطفالنا المبهورين بالسعادة الطافحة من وجوه آبائهم وأمهاتهم.. هل يعرف هؤلاء الأطفال سرّ هذه السعادة أم أنهم يأخذونها على محمل الفرح الذي هو من حقهم؟ هل يعرفون أم أنهم لا بد لهم من أن يكبروا قليلاً حتى نقص عليهم ويستوعبوا آلامنا المديدة من النكبة إلى النكسة إلى التشرد إلى المجازر إلى الغربة، وصولاً إلى عيد الدولة؟

في هذا السياق أذكر مقطعاً لشاعر أسود، لا أذكر متى قرأته ومتى نفحته بالوزن العربي:

كان الماضي

كالغابة أشواكاً ومهالك

أما الآتي

فنناضل حتى لا نلقاه كذلك

وليس لنا إلا معاهدة الأطفال ألا يعاد إنتاج الماضي الشائك كما عشناه، إذ ان التقويم الفلسطيني الجديد، يتطلب تقاليد جديدة.. الفرح مثلاً، فقد آن لهذه الكلمة أن تعرف طريقها إلى قاموسنا، وإنه لسحر عجيب في هذه اللغة أن تجمع بين الفرح والذكرى والعيد والرقم 194، فبطاقة الهوية مزودة برقمين، هذا الذي يضعنا في سلسلة تاريخ الأمم، والرقم الآخر 138، عدد الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة التي صوتت لعضويتنا في هذا المنتظم الأممي.. ولهذا، كما قالت فلسطين بلسان رئيسها، نحن هنا..

على أن هذين الرقمين يشكلان مدخلاً لخطاب طويل، ولا يمكن لمن بدأ الرحلة إلا أن يواصلها.. وفي هذا المستوى نرى كل شيء جاهزاً: الهمة والإرادة والعزيمة، ولكن لا همة إلا بالانسجام مع الذات، ولا إرادة إلا بتأكيد الوحدة الوطنية، ولا عزيمة إلا بتوظيف الهمة في دعم الإرادة لتحقيق الوحدة، ومرة ثانية تستحضر الذكرى سطراً من الأمل العاتب:

أتقولون وحدة؟.. حققوها

أنا عن نصف أمتي معزول

أطلق الشاعر المصري هذه الصرخة عندما كان حلم عبد الناصر بتوحيد الأيام يصطدم بالمعيقات والمثبطات، وها بعضنا يعيد إنتاج الصرخة، فماذا تفعل الهمة والإرادة والعزيمة أمام سور الاحتلال الذي يفصل شطريْ فلسطين، وتأتي لحظة الانقسام التي لا يكفينا لزوالها أن نقول ما لم يتحقق بعد، كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون.. والفعل بأيدينا فلماذا لا نفعل؟ هو قرار القرار الوطني المستقل ونستطيع بعدها أن نترجم لأطفالنا معنى الفرح.. أن نفعل ما نقول، وما يقوله الفلسطينيون من الماء إلى الماء وفي بقاع الشتات، هو الوحدة..

ليس في هذا الكلام جديد، فما عرفت فلسطينيين يختلفان على أن الوحدة الوطنية هي خشبة الخلاص.. وقد سعدنا حتى أخشى أن أملّ من السعادة بالخطاب الوحدوي الراهن، ولكن ماذا عن الخطوة الإجرائية، لقد انتقص ممثل العدو من أهليتنا الوطنية بدعوى أننا غير متحدين، ولقد ألقمناه حجراً.. لكن الغصة لا تزال في الحلق.. وما علينا إلا العمل على أن يصبح أحد الأيام العادية يوماً تاريخياً فعلاً بتحقيق المصالحة الفعلية وعودة الماء إلى الماء.

  • تعليقات الفيس بوك
  • تعليقات الموقع

اترك تعليقا