اعلانات

لوحة سوريا التشكيلية

لوحة سوريا التشكيلية

لوحة سوريا التشكيلية بقلم د.أسامة الفرا

-: عين الاخبارية :- مئة قتيل، يزيدون قليلاً أو ينقصون، هي الحصيلة اليومية للأحداث التي تشهدها سوريا، الرقم لم يعد يثير الغضب ولا يستفز الأحاسيس الإنسانية لدى عالم اليوم، تحول الرقم لمجرد مؤشر لقياس حجم الدماء التي تسيل على التراب السوري، الرقم لا يعني العرب سوى بما يحمله من معادلات حسابية لها علاقة بسقوط النظام واقتراب أجله، وتفكير العرب لا يمتد ليوم واحد بعد السقوط، كل ما يعنيهم طي صفحة نظام الأسد، وإن كنا نتفق على ضرورة وضع نهاية لهذا النظام، ليس فقط من باب انحيازنا لإرادة الشعب السوري، بل لأن حجم الجرائم التي ارتكبها النظام بحق شعبه لم تبق له مكاناً في الحكم أو حتى فوق التراب السوري، إن الشعب السوري، كما هو حال النظام، لا مجال لدى كل منهما للتراجع، والكل بات ينتظر نهاية المشهد الدامي، لكن، هنالك فرق بين من ينتظر النهاية ليخلد للنوم بعد أن يكون قد أنجز مهمته، ومن يعمل منذ اليوم الأول على إخراج المشهد الذي يلي ذلك على طريقته الخاصة.

على الجانب الآخر، الغرب يرصد بدقة متناهية أمرين، الأول يتعلق بأسلحة سوريا، وبخاصة الأسلحة الكيميائية، ويبدي اهتماماً كبيراً بكل حركة لها، ولن يسمح بأن تنتقل لأطراف قد يشعر بأن وصولها إليهم يخرج المستقبل السوري من تحت السيطرة والتحكم، ولعل ما تحدثت به قيادة حلف الناتو حول إطلاق صاروخ «سكود» من قبل النظام السوري له دلالة واضحة حول ذلك، ولن يجد الغرب صعوبة في التدخل عسكرياً إذا استشعر أن السلاح السوري غير التقليدي يمكن أن يصل لأطراف محظور عليها امتلاكه، والموقف الروسي الداعم للنظام السوري لن يعترض حينها على ذلك بل قد يشاركهم الأمر، المقلق في الأمر ما جاء على لسان وزير خارجية روسيا بأن بلاده غير قادرة على إقناع الأسد بالتنحي من خلال توفير خروج آمن له، يفهم من ذلك أن نظام الأسد ماض إلى النهاية، وهنا يجدر بنا التركيز ليس فقط على المشهد الختامي بل على ما يسبقه مباشرة، فهل يلجأ فيه النظام السوري إلى إطلاق مجموعة من صواريخه باتجاه إسرائيل ليخلط أوراق المنطقة؟، قد يكون من المستبعد حدوث ذلك، ولكنه يبقى ضمن احتمالات المشهد الدراماتيكي لنهاية نظامه، خاصة أن إيران ستكون هي المستفيد الوحيد من ذلك، وهي في الوقت ذاته الملاذ الوحيد الذي يمكن أن يفر إليها رموز النظام السوري، وإذا ما حدث ذلك فكيف سيكون عليه رد الفعل الإسرائيلي من جهة والموقف العربي من جهة ثانية.

الأمر الثاني الذي ينكب عليه الغرب هو ما يتعلق بسوريا بعد سقوط نظام الأسد، كل ما يعني الغرب أن يتمخض ذلك عن نظام مطيع تكتب شهادة ميلاده في احدى سفاراتها أو بواسطة أحد مندوبيها في المنطقة، ولن يستعجل الغرب على ميلاده، بل قد يكون من المفيد له دخول سوريا في حالة من الفوضى والاقتتال الداخلي لإنهاك المتبقي من قواها، ومن ثم تأتي سوريا الجديدة لسيدة العالم طلباً في تحرير شهادة ميلادها بالشكل الذي يريده العم سام.

اعتدنا في الأفلام العربية أن تأتي النهاية بشكل مطابق للتوقعات، فيما يميل الغرب في أفلامه «الآكشن» لأن تكون النهاية هي الأكثر دراماتيكية، وأحياناً على غير المتوقع، ولكنها دوماً تحمل انتصار الرجل الأبيض، المؤكد أن نهاية النظام السوري لن تكون على شاكلة الأفلام العربية «الأبيض والأسود»، ولن تستقي من الأفلام الهندية شيئاً يذكر، لكنها نهاية بلوحة تشكيلية تختلط فيها الألوان ونفقد معها قدرتنا على التمييز.

  • تعليقات الفيس بوك
  • تعليقات الموقع

اترك تعليقا