اعلانات

الزعيم الرمز وكلام سهى

الزعيم الرمز وكلام سهى

الزعيم الرمز وكلام سهى بقلم عدلي صادق

-: عين الاخبارية :- كنت أظن، في الآونة الأخيرة، أن السيدة سهى الطويل (عرفات) التي اقترنت بالزعيم الخالد «أبو عمار» قد نضجت سياسياً، وأنها أصبحت قادرة على أن ترتفع الى سوية موقعها الأدبي، كأرملة لمؤسس الحركة الوطنية الفلسطينية، وبالتالي أن تُظهر أداءً رزيناً، يُفترض أن يتبدى بعد الفسحة الزمنية الطويلة منذ رحيل القائد الرمز الى اليوم. فقد أتيح لها أن تتوافر على القراءة والتأمل، وأن تستفيد من أمومتها لكريمة الزعيم الوحيدة.

سهى، اضطرتنا ذات يوم، لأن نعلق على حديث ارتجالي لها، عبر الفضائيات التي تصطاد في المياه العكرة، وفي لحظة عصيبة، بينما الرئيس الشهيد أبو عمار يصارع الموت. كتبتُ في هذه الزاوية، أطالبها بأن «تروق» لأن صوتها ولغتها ووجهة حديثها، وموالها كله آنذاك؛ لم يكن يليق بأبي عمار، ولا بتاريخه. بل لم يكن يُقدم أو يؤخر في تحديد موقعها وحجمه، من تجربة ياسر عرفات الملحمية الزاخرة، التي سيعجز باحثون فطاحل، عن تقصي خطوطها ومفارقاتها، أو ملامح شخصية صاحبها الاستثنائية، وأعاجيبه وإشاراته التي لا حصر لها في وقتها وفي سياقها.

قالت سهى ما أستعذبتْ النطق به. ومن واجبنا أن نحاول إقناع اختنا، بأن ما تقوله ليس عذباً، وإنها لن تكون مدهشة ولا مثار إعجاب، بكلام كهذا. أما بالنسبة لمن يعرفون قليلاً أو كثيراً، عن الجزئية الخاصة المتعلقة بظروف زواجها من الرئيس ياسر عرفات، فإن ما قالته «أم زهوة» صادم ولا يُنصف رجلاً كان «جَمَل المحامل» الفلسطيني. بل إن كلامها، ربما يفتح المجال لإساءة فهم واقعة الزواج نفسها، على النحو الذي يظلم رمز حركتنا الوطنية وهو في دار الحق.

أنصح اختنا سهى، ألا تنزلق الى أحاديث ذات تفريعات، تتناول تفصيلات تقييمها الشخصي لمشروع زواجها، ومفرداته المالية وعلاقته بالسعادة والأمان والبحبوحة. كما ننصحها ألا تتناول مسألة حقها الراهن، في الزواج وتمنعها أو رغبتها. فهذه مسائل شخصية، تتعلق بسيدة تفرض عليها أقدارها كأرملة زعيم مرموق، أن تستعين على قضاء حوائجها بالكتمان. وينبغي أن تتذكر سهى، أن تاريخية ياسر عرفات، ورجحان مناقبيته، وإيثاره وشجاعته، ووطنيته المُلهمة لشعبه وللأمم؛ هي التي جعلت الوطنيين جميعاً، يعتبرونها أختاً عزيزة ينبغي احترامها والاستنكاف عن توجيه أي نقد لها، وعدم تناول أية حيثية يمكن أن تؤاحذ عليها، أو تُسأل بسببها، أو على الأقل تنتقص من مكانتها الأدبية. ولكي أختم السطور المتعلقة بالسيدة سهى تحديداً؛ يتوجب التذكير، بأن «الختيار» حبيب الأحرار والحرائر، في شبابه وفي خريف عمره، لم يكن في حاجة في أي يوم، لاسترضاء امرأة متمنّعة. فهو رجل عاش وقضى زاهداً طائراً بين السماء والطارق. لم يقترب من امرأة، في السياسة وفي الاجتماع، في العمل الوطني وفي «الحلال» إلا بعد أن أضنت المرأة ـ لا أضنته ـ رحلة الاقتراب.

* * *

لقد استقر وجدان كل أمة، على واجب الحفاظ على مكانة رموزها. هناك قادة أخذوا بيد شعوبهم الى طريق الكفاح الوطني والحرية. بعض هؤلاء، لم يبدأوا مناضلين منذ نعومة أظفارهم مثلما بدأ ياسر عرفات واستمر الى أن قضى نحبه. لكن الوطنيين والأمم الحية، لا تلوك سيرة رموزها ولا تركز على سلبياتهم أو على اسبقياتهم إن كانت لهم اسبقيات. ففي مصر مثلاً، يُذكر سعد زغلول بكل التبجيل، ولا يتناول أحد سيرته إلا بالاحترام والاعتزاز، وبخاصة من الوطنيين، وهذا من حقه عليهم. واليوم، يجتمع الوطنيون المصريون المعارضون، تحت صورته وفي مقر حزبه الذي يسمونه «بيت الأمة». ولا يتأثر الثبات الوطني على رمزية سعد، بما يعرفه دارسو تاريخ مصر عن بداياته. فسعد زغلول بدأ الاهتمام بالعمل العام وهو صديق للورد كرومر ويمتدحه في كل مناسبة، وشديد الميل له. وكان سعد مع بطرس غالي ضد ظفر المصريين بدستور، ومعه أيضاً في مد امتياز القناة للأجانب، ومعه في حكومتين مواليتين للاحتلال البريطاني متسلماً حقيبة المعارف، ثم حقيبة العدل (الحقانية). بل إنه عندما بدأ عمله الوطني، مطالباً بالاستقلال، وشكل هو وحسين رشدي «الوفد» التفاوضي، وجاء ببعض الوطنيين، لم يستبعد تمثيل العملاء من «وفده». كل هذا لم يمنع من تكريس تجربته وتبجيلها ووضعه في مرتبة الرمز الوطني الأول الذي ينبغي على الجميع أن يحترمه وأن يتناول سيرته بما يليق به، والتزم الجميع، من حسن البنا الإخواني، وكل أطياف الوطنيين واليساريين، والأحزاب الموالية للانجليز، الى جمال عبد الناصر ومن بعده. وعندما نشُرت مذكرات سعد، التي كتبها بنفسه في دفتر يومياته، ليودعها في ذمة التاريخ، وكان فيها بعض ما يتعلق بسقطات مسلكية، فقد وقع اللوم على دار النشر التي أساءت للزعيم!

كانت لياسر عرفات أخطاؤه التي كان متاحاً للجميع أن يتناولوه بالنقد بشأنها، في حياته. فهو بشر، يُخطىء ويصيب، لكن السياق العام لتجربته، ودوره في تأسيس الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة، ومزاياه ومناقبه الكثيرة، تجعله في موضع الرمز الذي لا يصح أن يتناول أياً كان سيرته بما لا يليق. وحتى عندما يُكتب التاريخ، فلا بد من الحفاظ على حق ياسر عرفات في التقدير العالي، كقائد نذر حياته من أجل شعبه وقضيته، وسقط شهيداً شجاعاً يعتز به الأحرار في هذه الدنيا!

  • تعليقات الفيس بوك
  • تعليقات الموقع

اترك تعليقا