اعلانات

قضية الاسرى تستحق ما هو اكثر

قضية الاسرى تستحق ما هو اكثر

قضية الأسرى تستحق ما هو اكثر بقلم طلال عوكل

-: عين الاخبارية :- ملف الأسرى، واحد من ملفات كثيرة تزخر بها أجندة الصراع الفلسطيني والعربي منذ زمن طويل يتجاوز، حتى محطة الهزيمة التي وقعت في الخامس من حزيران العام 1967، تلك المحطة التي أعطت لهذا الملف أبعاداً وطنية، وإنسانية وحقوقية وأخلاقية إضافية.

ومع أن قضية الأسرى، تتفاعل منذ بضعة أشهر خلت، وتحظى بمكانة متقدمة بين قضايا الفعل السياسي، إلاّ أن إحياءها يوم أمس، بمناسبة الذكرى التاسعة والثلاثين ليوم الأسير، يفترض أن يشكل نقلة نوعية في إطار معالجة هذا الملف وكيفية التعاطي معه.

يستحق الأسرى، الذين يقارب عددهم الخمسة آلاف، ما هو أكثر من المسيرات والاعتصامات، وإصدار البيانات، وإطلاق التصريحات، إذ يكثّف هذا الملف بالإضافة إلى ملفات أخرى، طبيعة الاحتلال العدوانية والعنصرية، ويكشف على نحو لا يقبل الجدل أو التأويل، أن هذا الاحتلال لا يحترم أية اتفاقيات أو مواثيق، أو تعهدات، سواء صدرت عن الأمم المتحدة ومؤسساتها أو صدرت عنه مع أي طرف آخر.

هذه الأشكال النضالية التي يعتمدها الفلسطينيون عند إحياء مثل هذه المناسبات قد تشكل عنواناً رئيسياً في وسائل الإعلام الفلسطينية، وثانوياً في وسائل الإعلام المنشغلة في قضايا “الربيع العربي”، أو أحداث لا تدخل مربع الأعمال الروتينية، نقول إن هذه الأشكال على أهميتها، إلاّ أنها لا ترقى إلى مستوى القضية التي تدور حولها النشاطات.

مع استثناءات قليلة، قد تقع على معبر قلنديا، أو أمام سجن عوفر، فإن كافة النشاطات، داخلية، وتنطوي على رسائل لمن لا يحتاجون إلى فهم واستيعاب عذابات الأسرى، فهم الأهل والأقارب والجيران، أما العالم الخارجي، فهو لا يتأثر بهذه النشاطات إلاّ على نحو محدود، طالما أن النشاط الفلسطيني لا يرقى إلى مستوى التعبير عن أزمة كبيرة، يستشعر معها الآخرون خطر إثارتها.

العالم الغربي حيث الجدار القوي الحامي لإسرائيل وسياساتها، وانتهاكاتها لا يفهم هذه اللغة التي يتحدث بها المتظاهرون والمعتصمون الفلسطينيون، إنهم فقط يفهمون لغة القوة، لغة تهديد المصالح، فهم لا يقومون بحماية إسرائيل إلاّ لأنها تمثل وتحمي مصالحهم.

لا أقصد بذلك أن على الفلسطينيين أن يعودوا إلى أسلوب العنف لملاحقة الإمبريالية التي تشكل امتداداً طبيعياً وأخلاقياً لسياسة الاحتلال، فإذا كان هذا الأسلوب ضرورياً ومجدياً في أزمان سابقة، للإعلان عن وجود قضية فلسطينية فإنه غير ضروري، ولا هو مجد اليوم حيث أصبحت قضية الشعب الفلسطيني، تملأ الدنيا، ولكنها لا تشغل كل الناس.

علينا أن نعمل ما يؤدي إلى أن تشغل القضية الفلسطينية كل الناس في هذا العالم، ولدينا القدرة، والوسائل التي يمكن أن تحقق ذلك لو أن وضعنا الفلسطيني على غير ما هو عليه اليوم.

ولا أقصد، أيضاً، أن النموذج الذي قدمه جيش الجهاد المقدس، الذي أطلق يوم، أمس، من سيناء على ما يقال، صاروخين على منطقة أم الرشراش وهدد بإطلاق المزيد لمنع الأشغال الإسرائيلية في مجال البحث عن الغاز والنفط، فمثل هذا النموذج يخلط الأوراق، وينطوي على تداعيات سياسية وأمنية خطيرة، قد تساعد الاحتلال على تصعيد وتوسيع عدوانه، على نحو لا يخدم القضية الفلسطينية، أو مصر.

وبالطبع لست أقصد، أية وسائل وأشكال أخرى، قد تؤدي إلى الإفراج عن عدد من الأسرى، ولكن ليس قبل أن يدفع الشعب الفلسطيني عدداً من الشهداء والجرحى أكثر بكثير من عدد الأسرى الذين يتم الإفراج عنهم، ثم سنلاحظ أن العدو المحتل، يبادر إلى تعويض الأسرى الذين يتم الإفراج عنهم باعتقال المزيد من الفلسطينيين، وإعادة اعتقال بعض من تم الإفراج عنهم.

إذاً قضية حرية الأسرى، ليست مرهونة بعدد الاعتصامات، وعدد المشاركين في لمظاهرات والمسيرات التي يتم تنظيمها لحساب هذه القضية ولا هي مرهونة لظرف أو حدث طارئ، كاختطاف جندي إسرائيلي أو أكثر، وبالتأكيد هي ليست قضية معلقة بمدى قوة التصريحات، والوعود التي يطلقها مسؤولون فلسطينيون مهما كانت مواقعهم ومراكزهم السياسية.

إن قضية الأسرى، هي قضية قرار سياسي وطني فلسطيني عام بتصعيد وتوسيع، وتنويع أشكال الاشتباك مع الاحتلال وكافة تعبيراته وأشكال وجوده وامتداداته. فإن وقع ذلك كان على الفلسطينيين أن يفعلوا قبلاً ما يمكنهم من اتخاذ مثل هذا القرار الاستراتيجي.

قرار تصعيد وتوسيع الاشتباك لا يقتضي بالضرورة حل السلطة، ولا التخلي عن خيار البحث عن السلام، وحتى عبر المفاوضات، لكن هذا الخيار يكتسب مضامين جديدة، كما أن مثل هذا القرار لا يعني بالضرورة، إعادة تجديد انطلاقة الكفاح المسلح، أو تصعيد العنف، طالما أن التكلفة لا تعطي المردود السياسي المناسب.

حتى نصل إلى مستوى اتخاذ مثل هذا القرار، لا بد من حوار وطني فلسطيني جامع يخوض في بحث الاستراتيجيات والخيارات الكبرى، التي ينبغي على الفلسطينيين اعتمادها، انطلاقاً من طبيعة الظروف الموضوعية والذاتية، الأمر الذي يشكل المقدمة الأكثر من ضرورية، لتحقيق المصالحة، بما أن الوحدة عنوان قوة وكرامة، وعنوان انتصار على الذات قبل الانتصار على الآخر. وحتى نصل إلى هذا المستوى علينا كفلسطينيين أن نحضر هذا الملف، أي ملف الأسرى جيداً بكل أبعاده القانونية والسياسية، وأن نقتحم بها عجزنا وترددنا إلى المؤسسات الدولية ذات الصلة. هذا هو معيار الحكم على الأفعال، وابتداءً فإن أفعالنا ينبغي أن تتطابق مع القيم التي ترفض ممارسات الاحتلال التي لا تتمثلها ولا تلتزم بها.

  • تعليقات الفيس بوك
  • تعليقات الموقع

اترك تعليقا