اعلانات

لعنة الدكترة المزورة في المانيا درس للأدعياء

لعنة الدكترة المزورة في المانيا درس للأدعياء

لعنة الدكترة المزورة في المانيا درس للأدعياء بقلم عدلي صادق

-: عين الاخبارية :- أعلنت وكالة الأنباء الألمانية DPA قبل يومين، أن لجنة التحقيق الأكاديمية في جامعة «هنريخ هين» في مدينة ديسلدورف، قررت إسقاط درجة الدكتوراة عن وزيرة التعليم والبحث العلمي الاتحادية، السيدة آنيت شافان. فقد ثبت للجنة، صحة ما قاله طالب مجهول الاسم، من الشباب نشطاء الإنترنت، اكتشف أن معاليها اقترفت ما لا يليق بالضمير الأكاديمي، في أطروحة الدكتوراة التي دافعت عنها بنجاح، ونالت اللقب قبل ثلاثة وثلاثين عاماً. ولم تكن الوزيرة ذاقت طعم الراحة طوال العام المنصرم، الذي استمر فيه النظر في القضية. فلم يشفع لها كونها «رمز» المجتمع الأكاديمي الألماني، إذ لا رموز ولا حصانة لأحد، إن كان الأمر يتعلق بالنزاهة والحقيقة، وطالما أن رزق الضعيف ليس بيد القوي ولا تحت رحمته.

كان ما يسرق النوم من عينيْ معاليها، أن التحقيق نفسه، ظل جحيماً أفسد عليها نعيم منصبها، وأوقعها في مرمى سخرية المجتمع الأكاديمي والصحافة وعموم الألمان، وصنع لها فضيحة بجلاجل، لا سيما أن الأمر لم يقتصر على أن الوزيرة، في بعض أجزاء أطروحتها؛ انتحلت دون الإشارة الى المصدر. فقد كانت هناك مفارقتان، جعلتا معاليها في موضع التنّدر. الأولى أنها نسيت تماماً ما انتحلته، فلم يعد حاضراً في ذهنها لو سألها سائل عن نقاط من أطروحتها. لذا فإنها عندما أرادت الاعتذار عن إسقاط تثبيت المصدر، لم تسعفها الذاكرة لكي تقول من أين جاءت به أصلاً، ومن ثم الإقرار بالسهو. علماً بأن أحد الأمثلة اللئيمة عندنا يقول إن كنت كذوباً فكن فكوراً. فأمثلتنا تنم عن كوننا قد أعددنا العُدة، لممارسة الكذب دون لعثمة أو عرقلة أو انكشاف!

المفارقة الطريفة الثانية في محنة السيدة آنيت، هي في عنوان موضوع الأطروحة نفسه:»الشخصية والضمير الأكاديمي: دراسات في شروط وضرورات ومستلزمات تطوير نزاهة البحث في وقتنا الحاضر». هنا، ربما يكون الفتى الذي وشا على السيدة آنيت، أراد الانتحال، فأغلقت عليه القوانين والتدابير كل السُبل، وظن أن تلك الأطروحة هي السبب في شقائه، طالما أنها من إعداد وزيرة التعليم والبحث العلمي نفسها. فقد تأبط الطالب شراً، وكان بمقدوره أن يكف عن الأذى، وأن يسافر إلى حيث توجد جامعات البساط الأحمدي، فيتقدم بأطروحة بأي عنوان أو بأية دراسة تتمحك بتحليل المضمون، فيأخذ موضوعاً عن أي شيء، لكي يقدم له وصفاً، بأي مستوى وبما يتوافر من عون الآخرين!

ولعل ما زاد من أرق السيدة آنيت، وجعلها لا تفكر إطلاقاً، في الرهان على صداقتها الحميمة للمستشارة أنجيلا ميركل، وتتأكد بأن كل شاة معلقة من عرقوبها أمام القانون، هو السقوط المدوي لوزير الدفاع الألماني، بجريرة قضية من النوع نفسه، قبل عام واحد من فتح ملف أطروحتها. فلم يكن وزير الدفاع الشاب، مسؤولاً نمطياً. فقد تعددت مواقعه الوزارية ومهامه المركزية، قبل أن يصبح وزيراً للدفاع. ملأ الدنيا الألمانية وشغل ناسها. حتى اسمه كان يسبب إرباكاً لأنه من الأسماء النادرة في الغرب التي تقترن بإيضاحات مطولة، مثلما هي أسماء الأقدمين عندنا كالجاحظ وابن العميد وابن المقفع وابن خلدون وغيرهم. هو ـ اختصاراً ـ كارل ثيودور زو، أو كارل غوتنبرغ. ويندهش كل من يطل على تجربة هذا الغضنفر، لتنوع المسؤوليات السياسية والعسكرية والحزبية والقارية التي تقلدها كارل زو غوتنبرغ، ومن حجم الزوابع التي أثارها، وبخاصة في حرب أفغانستان وحماسته حتى للضربات الجوية الخاطئة التي يسقط من جرائها أبرياء.

على الرغم من سطوة غوتنبرغ، اصطاده ولد شقيْ، ووشا عليه بالأدلة، كمنتحل وسارق أفكار ونصوص وخُطب. وجاء في الاتهام، إنه نجح في خداع المشرف الذي هو أستاذ جامعي ألماني مرموق، إذ كان يغترف من مقالات وأعمال الآخرين، وحتى من خطب المسؤولين في المناسبات والندوات، ليصيغ بجزيئاتها استخلاصاته دون الإشارة إلى المصادر. وقد حصل على درجة الدكتوراة عن أطروحته حول «تطور القانون الدستوري في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة»!

ونلاحظ هنا، أن الشخصيتين الألمانيتين، اللتين أسقطهما بعض الانتحال في أطروحتي دكتوراة، محسوبتان على اليمين العنصري المتطرف. فاليمين العنصري في كل مجتمع، هو قوقعة الفساد وغطائه، وهو الذي يصبح أكثر فساداً كلما ازدادت يمينيته وعنصريته. فالسيدة آنيت تطرفت ضد المسلمين في مقاطعتها، وغوتنبرغ يعتبر حتى اليساريين إرهابيين. وعلى الرغم من ذلك، فإن للمرء أن يقف احتراماً، لإنفاذ القانون على الجميع، ولتوخي النزاهة، ولامتثال المدانين ـ بكل تهذيب ـ لقرارات إدانتهم وعدم لجوئهم الي التبجح والمكابرة. كما يقف واحدنا احتراماً لحرص الدولة ومؤسساتها الأكاديمية، على مستوى البحث ومناقبيته، ولتكريس الواقع الذي تنحني فيه كل الهامات أمام الحقيقة والعدالة!

إن للدَكترة المزورة لعنتين، واحدة في بلاد احترام البحث العلمي والقانون، وفيها يكمن كابوس الملاحقة الذي تزداد خطورته، كلما تطورت وسائل التقصي عبر شبكة الإنترنت، وكلما اتسع نطاق المكتبات الإلكترونية. أما اللعنة الثانية فهي أشد مرارة على النفس، وتكمن في التفشي المطرد، لغربة اللقب العلمي عن دلالاته المفترضة. فقبل انهيار التعليم الأكاديمي وتدني مستوى البحث في حقل العلوم الإنسانية؛ كانت الدكترة مُهابة، وكان حامل اللقب يقتنص الفرص للكلام في موضوعه وفيما يجاور موضوعه. اليوم بعض المتدكترين، يتحاشون الكلام العلمي، ويميلون الى المزاح متظاهرين بالتبسط، تلافياً لرغبات الناس في أن يسمعوا منهم طرحاً نوعياً مفيداً، بينما “الأطروحة” جاءت تجميعاً منسيّاً، لنصوص حول أي شيء “بين النظرية والتطبيق”. كان أقل المطلوب، هو أن يواظبوا على القراءة، أو أن يؤسسوا لعلاقة دائمة مع المعرفة في حقل الاختصاص الذي مُنحت فيه الدرجة العلمية، لكي تنعقد لهم الوجاهة، وما تيسر من النفع، طالما أن لا قانون يلاحقهم ويحسم أمرهم بأثر رجعي!

  • تعليقات الفيس بوك
  • تعليقات الموقع

اترك تعليقا